ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
الحال
مقصدش بس احنا نقول الحمد لله إن ده حصل في آخر يوم وأنه آ...
ظهر التردد في كلماتها الأخيرة فبدت وكأنها لا تجد المناسب من العبارات لتخفف من ضيقها على عكسها أكملت بهاء ما عجزت رفيقتها عن إتمامها بصياحها
وإلا كانوا عايروني للصبح مش ده اللي عايزة تقوليه
ردت عليها بنبرة شبه مهتزة
مش كده بس يعني...
قاطعتها في حدة
رجتها في خيفة
طب إهدي وخلينا نتكلم تاني لما تروقي شوية.
اختتمت معها المكالمة وهي تمرر أصابعها المشدودة في شعرها سارت عائدة إلى الحمام وهي تدمدم بانفعال
بقى يطلع منك كل ده يا ميرا
آنئذ زكم أنفها الرائحة الغريبة للغاز المتسرب من سخانها فانتابها القلق وتساءلت وهي تفتش عن مكان انبعاثه به
كحركة تلقائية اتجهت نحو نافذة الحمام لتفتحها لتقوم بتهوية المكان من الرائحة الخانقة لكنها لم تنتبه للأرض الزلقة التي تناثرت بها فقاقيع صابون سائل الاستحمام فانزلقت قدمها ولم تتمكن من الحفاظ على اتزانها لتسقط أرضا صاړخة بفزع ورأسها قد ارتطم بحافة الحوض الغليظة ففقدت وعيها في الحال.
احتاج لبعض الوقت حتى يتمكن من استعادة هدوئه وترتيب أفكار رأسه قبل أن يترجل من سيارته قاصدا مقابلتها في منزل عمها بحضوره وطلب خطبتها رسميا. لم يعبأ إن كان مجيئه بدون موعد أو أنه تجاوز خطة شقيقه في التودد أولا إليها وجس نبضها كما أخبره ليتأكد من انجذابها إليه أو حتى ارتدائه لملابس مناسبة نسى كل شيء بعد الذي صار وأصبح عاقدا العزم على ألا يدع اليوم يمرق
لم يكن عمر بحاجة لسؤال أحدهم عن منزل عمها صعد إليه بسهولة وفي وقت وجيز ليقرع الجرس بعدها منتظرا بتأهب قيامها بفتحه تذكر المرة اليتيمة التي رآها فيها هنا وكانت تحمل في يدها كيس القمامة معتقدة أنه حارس البناية وقد جاء لأخذه منها. ابتسم بشكل عفوي وردد في مرح مع نفسه وبلا صوت
تصلب في وقفته عندما فتحت فادية الباب لتجده قبالتها طالعته بنظرة مدهوشة قبل أن تحرك شفتيها لتلاحقه بأسئلتها وهذا التعبير المدهوش يحتل كامل وجهها
سيادة الرائد خير جاي عندنا ليه في حاجة حصلت
استقبل اندهاشها بهدوء فسألها بأدب
عم سليمان موجود
أجابته بحاجبين معقودين
لأ بس هو في الطريق.
طب بهاء .. آ.. قصدي الآنسة بهاء موجودة
هزت رأسها قائلة وهي تشير بإصبعها للأمام
أيوه بس في شقتها!
تلقائيا اتجه برأسه إلى حيث أشارت مرددا في استغراب
شقتها
أوضحت له بابتسامة عريضة
هي ساكنة قصادنا يعني معظم الوقت معانا بس ساعات بتفضل في بيتها لو هي مضايقة ولا مخڼوقة ولا حاجة شاغلة دماغها.
طب أنا عايز أتكلم معاها ضروري في مسألة مهمة.
فسرت فادية اهتمامه بشأنها بشيء آخر تحبذ تمام حدوثه في المستقبل القريب لهذا لم تمانع على الإطلاق طلبه وحركت رأسها هاتفة بحماس
حاضر.
اتجهت ناحية باب منزلها لتدق عليه ويدها الأخرى تقرع الجرس قبل أن تصيح في صوت مرتفع
بهاء افتحي يا حبيبتي.
لم تتلق أي استجابة منها فتصنعت الضحك واستدارت برأسها نصف استدارة لتتحجج له
أصلها كانت جاية تعبانة فاحتمال تكون نامت ومش سامعة الباب.
حملق فيها بنظرة مستريبة فأضافت وهي تستخدم يدها في الإشارة
أنا عندي المفتاح بتاع شقتها استنى هجيبه من الدرج وأرجعلك.
قال مومئا برأسه
يا ريت.
انتظر ذهابها ليبدأ في الطرق على الباب مناديا
آنسة بهاء لو سمحتي افتحي.
تريث للحظات وهو يتساءل مع نفسه
مش معقولة مطنشاني!
راوده هاجس مزعج باحتمالية اعتقادها في تورطه في هذا المقلب السخيف فانتفضت أوصاله وراح يدق على الباب مكملا ندائه القلق
آنسة بهاء من فضلك افتحي لازم أكلمك وأفهمك اللي حصل.
عادت إليه فادية وهي ترسم على ثغرها تلك الابتسامة السخيفة تعللت مجددا بمزيد من الأعذار
ممكن تكون نايمة ما هي بتتعب معاكو على الآخر.
أخبرها بجدية
احنا خلصنا تدريب.
شعرت بالحرج الطفيف من توضيحه وقالت
على البركة يا رب.
قامت فادية بفتح الباب في تلكؤ وهي تستمر في مخاطبته بودية كأنما تسترسل في محاسنها
تعرف يا سيادة الرائد ولا ليك عليا حلفان بهاء دي متربية على إيدي تربية زمان المحترمة حاجة معدتش في منها دلوقت.
رد من خلفها
ما أنا عارف.
ضحكت بتكلف قبل أن تقول
أصيل ..
ثم تنهدت رافعة بصرها للسماء وهي تدعو المولى في سريرتها
يا رب يبختلك معاه يا بيبو.
ما إن ولجت إلى الداخل حتى اشتمت تلك الرائحة المكتومة تحرجت من إهمال بهاء لتهوية منزلها جيدا وقالت وهي تشير بيدها ليجلس
اتفضل استناها هنا وأنا هخش أشوفها جوا.
سار تجاه أقرب أريكة مرددا في طاعة وعيناه تتابعان حركتها
تمام.
التقط أنفه نفس الرائحة الغريبة لكنه على عكس مضيفته استطاع أن يتبين ماهيتها فهب واقفا ليقول بتوجس وهو يطوف ببصره في الأرجاء
في ريحة غاز في المكان!
بلا استئذان اتجه نحو النافذة الموجودة بصالة المنزل ليقوم بفتحها أولا قبل أن يبحث عن مصدر هذه الرائحة النفاذة. تسمر في مكانه مڤزوعا عندما سمع صوت فادية ېصرخ مستغيثا
يا نصيبتي بهاء!
في التو اندفع نحو
الداخل ليجدها تستنجد به رغم السعال الذي أصابها فجأة
الحقني يا سيادة الرائد.
أرشدته إلى الحمام فانخفضت عيناه على الأرضية ليجد بهاء راقدة عليها بلا حراك انقبض قلبه في ذعر كبير وقال مطمئنا إياها إن لم يكن نفسه أولا
إن شاءالله هتبقى كويسة.
لف ساعده حول أنفه ليمنع رائحة الغاز من اقټحام رئتيه وأمرها في صوت جاد
في تسريب غاز في الشقة اقفلي المحبس لو في المطبخ واطلبي طوارئ الغاز أوام.
هزت رأسها هاتفة في طاعة
حاضر.
انطلق صوبها متخذا حذره في خطواته على الأرضية الزلقة التي أصبحت غارقة في المياه سعل رغما عنه من الرائحة الخانقة ومد إصبعيه ليتحسس النبض في عرق رقبتها أحس بقدر من الارتياح لكونه لا يزال يشعر بنبضها ثم ألقى نظرة تفقدية سريعة عليها ليجد بقعة من الډماء المتجلطة عند مؤخرة عنقها. قڈف قلبه في ارتياع أكبر وجاهد ليبدو هادئا قادرا على التعامل بحنكة مع أزمتها. في التو مرر ذراعيه أسفل جسدها ليحملها نحو الخارج ونظراته القلقة تطوف على وجهها الساكن.
ضمھا إلى صدره وهو يخشى من أعمق أعماقه احتمالية فقدانها اندفع بخطواته المتعجلة إلى خارج شقتها ليشرح في عجالة للجيران الذين تجمعوا سبب المشكلة الخطېرة وكيفية التعامل معها بشكل أولي ريثما تأتي النجدة لإنقاذهم.
تولى المسئول عن إدارة شئون البناية متابعة الأمر في حين هبط عمر الدرجات وهو يحملها متجها بها إلى سيارته لتتبعه فادية وهي تضع الهاتف على أذنها لتتصل بزوجها لتعلمه بالأمر.
استخدم عمر يده بصعوبة في فتح الباب الخلفي لسيارته وأمر فادية بالجلوس أولا قبل أن يريح جسد بهاء عليها ليطلب منها بعد ذلك في
صوت حازم رغم سمة القلق الظاهرة فيه
امسكيها كويس وخدي بالك من راسها.
يا لهوي دي دماغها اتفتحت.
ربنا يستر وما يجرالهاش حاجة.
أخذ يردد في صوت لاهث آملا ألا يصيبها مكروه
إن شاء الله هتبقى بخير إن شاء الله.
صفق الباب وانطلق راكبا خلف عجلة القيادة ليندفع بسيارته عبر الطرقات والمسالك المختلفة ليصل بها في أقرب وقت إلى المشفى العسكري فالثانية الواحدة قد تكلفها حياتها.
لم يتوقف عن الضغط على بوق السيارة أثناء انحرافه بين المركبات المتحركة هنا وهناك محاولا المرور بينهم لتجاوز الزحام الخانق نظر عمر بين الحين والآخر عبر انعكاس مرآته الأمامية إلى بهاء مراقبا ما يطرأ على وجهها من تغييرات حيوية لاذ بالصمت مضطرا رغم أنين فادية وندبها المتواصل كل ما طمح فيه أن تمضي تلك اللحظات العصبية على خير ويصل بها إلى بر الأمان.
عند منطقة استقبال الطوارئ صاح عمر مناديا على من بالمشفى ليساعدوه في حملها ووضعها على الناقلة لفحصها في الحال تدخل الفريق الطبي المكلف باستقبال حالات المرضى العاجلة وتولوا رعايتها طالبين منه الانتظار بالخارج. فتوقف في موضعه مقاوما شعوره بالعجز ليجد فادية من ورائه تبكي في حزن
نجيها يا رب من اللي هي فيه دي يتيمة ومالهاش حد يا رب.
وكأن ما به من طاقة صمود قد تبخرت دفعة واحدة فبحث عن أقرب مقعد ليجلس عليه شاعرا بهذه الغصة المؤلمة في صدره. رفع عمر عينيه اللامعتين بدمعات خفية إلى السماء مناجيا بلا صوت
يا رب احفظها لي يا رب!
دارت كل الاحتمالات المخيفة في رأسه لكن ما لبث أن سكنت جميعا كأنها لم تكن عندما جاء الطبيب ليطمئنهم على حالتها حتى إصابة رأسها لم تشكل أي خطۏرة عليها وقتئذ تنفس عمر الصعداء وأحس بموجة من الارتياح تغمره فابتسم لأول مرة في حبور لكونه قد أتى في اللحظة المناسبة وإلا
لتطورت الأمور الأسوأ واختلف السيناريو عن الوضع الراهن وهذا ما لم يرغب في التفكير فيه.
بعد برهة سمح لهم بالدخول لغرفتها التي تمكث بها لتفقدها فأسرعت فادية لتسبقهم واندفعت تجاه فراشها لتميل عليها وټحتضنها وهي تخاطبها في نبرتها الحانية
حمدلله على السلامة يا حبيبتي.
رفعت بهاء ذراعها لتضمها قائلة بصوت خاڤت
الله يسلمك.
أجهشت زوجة عمها بالبكاء تأثرا فاستنكرت الأخيرة رهافة مشاعرها وطلبت منها
أنا كويسة بلاش ټعيطي علشان خاطري.
ردت عليها بصوتها الباكي
مش بإيدي والله كنت خاېفة لتروحي مننا.
قالت مبتسمة في وداعة
أنا الحمد لله أحسن.
لحظتها وقف عمر عند أعتاب الغرفة مترددا في الدخول فاستغلت فادية الفرصة لتمتدح حسن معروفه فهتفت في تفاخر
ربنا يكرمه سيادة الرائد ده لولا إنه جه علشانك ولا كنا درينا باللي حصلك.
اندهشت بهاء من الأمر ورمقته بنظرة خاطفة متسائلة في صوت بالكاد كان مسموعا ومعبرا عن حيرتها
جاي علشاني
أضافت زوجة عمها بمزيد من الإثناء على مجهوداته العظيمة
ده ما سبناش للحظة وهو اللي شالك وجابك لهنا ووصى عليكي كل الناس.
نظرت إليه بهاء مجددا في خجل وأردفت
شكرا على تعبك معايا.
تقدم ناحية فراشها معلقا بابتسامة عذبة
ما تقوليش كده المهم عندي إنك بخير.
نطق بكلماته تلك وهو يرمقها بهذه النظرة الشغوفة تلك التي لم تستطع إنكار صدقها شعرت وكأنها نفذت إليها كتيار كهربي فسرى في بدنها رعدة خفيفة جعلتها ترتبك أكثر وتشعر باندفاع الډماء في عروقها لتضفي على وجهها سخونة عجيبة. ما زاد من شعورها بالتلبك والحرج مجيء عمها ليقول في ارتياح
الحمد لله مشكلة الغاز كمان اتحلت مأمور العمارة طمني.
ردت عليه زوجته باستحسان
خير يا رب.
ظن عمر رغم ما حدث أن الظرف مناسب لمفاتحتهم فيما يرغب فيه لهذا دون ترتيب توجه بحديثه إلى عمها مستطردا
عم سليمان أنا عايزك في موضوع.
سأله بتوجس
خير يا ابني
تنحنح قائلا في نبرة اتخذت طابعا جديا
من غير لف ولا دوران ولا تذويق للكلام أنا عاوز أخطب الآنسة بهاء.
حلت الصدمة على ثلاثتهم فحملقوا فيه مندهشين لتفيق فادية أولا من صډمتها
متابعة القراءة