ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
لتجلس
اتفضلي ارتاحي.
استجابت له وعادت للاستقرار في مقعدها ليتخذ هو نفس الموضع الذي كانت تجلس عليه تلك السخيفة فيبدو أكثر قربا منها. شبكت بهاء يديها معا وتحاشت النظر إليه لكنها أنصتت إليه وهو يخاطبها
وردا على سؤالك العروسة قريبتنا.
لم تحبذ المراوغة في الحديث معه لذلك اندفعت نحو جوهر الموضوع مباشرة فسألته بتردد طفيف دون أن تنظر ناحيته
بعد تنهيدة سريعة أجاب
للأسف أيوه.
الآن تأكدت كليا مما تفقه له ذهنها منذ البداية فجمعت قدرا من جأشها واستطردت في صوت شبه لاهث لكنه مهتز كأنما تعطيه مبرراته لئلا يتمادى في متابعة تمثيليته الوهمية
بص هي طول عمرها كده ډمها تقيل ولسانها أطول منها فمتخدش في بالك منها وأنا فاهمة إنت اضطريت تتصرف كده ليه قصادها وهنسى اللي اتقال كأنه محصلش فاطمن أنا...
سيبك منها دي واحدة ماتهمنيش.
هزت رأسها بإيماءة خفيفة فأضاف بعينين لامعتين وكأنه يتغزل بها
تعرفي إنتي شكلك حلو أوي على فكرة.
انتفض شيء ما بداخلها جعل
رعدة غريبة تسري في كامل بدنها كانت مرتبكة للغاية من طريقته الودية معها فهي لم تألفه على هذه الحالة المهتمة .. قبل أن تسيء تفسير عبارته أوضح لها عمر بلجلجة محسوسة في نبرته
ابتلعت ريقها وردت باقتضاب وهي تطرق رأسها
شكرا.
استمر في مدحها بكلماته التي جمعت بين الغزل العفيف والمزاح
حتى ذوقك في اختيار الألوان حلو والميك آب كمان شكلك طبيعي مش شبه حلاوة المولد.
عفويا انطلقت منها ضحكة سعيدة فابتسم لرؤية ملامحها الصافية تتلألأ تحت ابتساماتها الجميلة فعلق بحبور
بدا رائق المزاج للغاية معها إلى أن لمح عمها قادما من على بعد فتلبك على الفور وانتفض قائما لتحيته بتعابير تبدلت في لمح البصر للجدية
عم سليمان!
بمجرد أن سمعت بهاء اسم عمها هبت واقفة هي الأخرى وتطلعت إلى حيث ينظر لتجد عمها يتجاوزها ليقترب من عمر الذي مد يده لمصافحته قائلا بلباقة
إزي حضرتك
ابتسم له ابتسامة عريضة ورحب به في حرارة
ثم طلب منه وهو يشير بيده
اتفضل اقعد.
جالسه قائلا بأدب
شكرا على ذوقك.
انتقلت بهاء للجلوس على مقعد آخر تاركة عمها يحظى بمكانها في حين تساءل سليمان مستعلما
إنت هنا من بدري ولا إيه
جاء رد عمر مرتبا
لسه جاي وقابلت آنسة بهاء فقولت أرحب بيها.
هز رأسه معقبا
حافظ على ثبات بسمته وهو يرد
ربنا يكرم.
في شكل روتيني تساءل عمها
بهاء عاملة معاك إيه
جاوبه بإعجاب لم يخفه
دي ممتازة لسه بشكر فيها.
حرر زفرة ارتياح قبل أن يخاطبه مستخدما يده في التلويح
الحمد لله لو تعباك قولي وأنا أشد عليها.
اتسعت ابتسامته نسبيا وهو يشيد بها
لأ إزاي دي من المميزين عندي.
بعدما انتهت فادية من الترحيب بمعارفها عادت إلى مائدتها لتتفاجأ بوجود عمر جالسا عليها تهللت أساريرها وراحت ترحب به بألفة متعاظمة
أهلا بيك يا سيادة الرائد.
رد بتهذيب وقد نهض من مقعده
إزي حضرتك بس بلاش الرسميات دي.
أشارت له ليجلس وانتقلت للمقعد الآخر المجاور له لتستقر عليه قائلة بمحبة
على رأيك ده احنا يعتبر عيلة واحدة...
ثم سلطت نظرها على بهاء لتسألها في عبثية جعلتها ترتبك للغاية
ولا إيه يا بيبو!!
في وسط كل هذا الصخب لم يضجر عمر من الجلوس برفقة عائلة سليمان كان مستمتعا للغاية من استعادة بعض ذكريات الماضي بالحديث عن الراحلين ومواقفهم المميزة وفي غمرة حديثه ذاك رأى شقيقه مقبلا عليه فلوح له بيده ليقترب الأخير أكثر ويقول في مكر بعدما وقف مجاورا لمقعد بهاء
ليك حق تفضل قاعد مع الحبايب هنا.
نهض سليمان للترحيب به قائلا وهو يشير بكف يده إليه
اتفضل يا عامر يا ابني ده مكانك.
رد مجاملا وبابتسامة تكاد تمتد من الأذن للأذن
ربنا يخليك لينا يا
عم سليمان.
رحبت به فادية هي الأخرى
أخبارك إيه
أجابها بنفس ابتسامته المتسعة
أنا تمام الحمد لله.
ثم وجه سؤاله لهذه الشابة الخجولة
عاملة إيه يا بهاء
ردت مبتسمة وعلى استحياء
الحمدلله.
لمح الساعة الذكية التي ترتديها في معصمها فعلق بشكل تلقائي صريح وموجها حديثه إلى شقيقه
حلوة الساعة دي مش هي اللي كنت موصي سلمى عليها!
ثم غمز له بطرف عينه متابعا
كده أنا فهمت إنت ليه كنت مستعجل عليها أوي!
تلبك عمر من طريقته المكشوفة لڤضح أمره وأردف
وإنت عامل إيه مش تشوف بناتك.
أعطاه ابتسامة مغيظة له قبل أن يرد بنفس الأسلوب العابث
مع أمهم خلينا احنا هنا مع القمر.
كلمته فادية في ودية
مكوناش نعرف إن العروسة قريبتكم.
تحدث إليها بعبارة موحية
الدنيا صغيرة ولسه هتصغر كمان لما نلم الشمل.
لحظتها نهض عمر من مقعده ليتجه إليه جذبه من ذراعه قائلا بحرج واضح
طيب يا عامر تعالى نشوف سلمى شكلها عايزانا.
قاومه شقيقه الأكبر إلى حد ما ليشاكسه واستطرد
منورين.
استمر في شده مرددا
يالا يا عامر.
بمجرد أن ابتعد الاثنان عن المائدة حتى نهضت فادية من مكانها لتنتقل إلى جوار بهاء مالت عليها متسائلة في خبث
ابن حلال أوي ولا إيه يا بيبو
لم تنظر إليها وحولت وجهها للناحية الأخرى هاتفة في خجل وهي تستند بيدها على خدها المشتعل بسخونته
أيوه.
بأي حال من الأحوال لم تكن لتمرر أبدا ليلتها هذه دون أن تعطي ملخصا لرفيقتها المقربة عما دار في حفل الزفاف كانت بسنت متلهفة لمعرفة كل شيء وبأدق التفاصيل عن كل شاردة وواردة جرت في نبرة متحمسة مشوبة بالذهول صړخت بسنت هاتفيا
بتهزري كل ده حصل!!
أكدت لها وهي تلف خصلة من شعرها حول إصبعها
أيوه أنا لحد دلوقتي مصډومة.
تنهدت قائلة في ندم
يا ريتني جيت معاكي كنت اتفرجت عليه...
ما لبث أن تحولت نبرتها مرة أخرى للحماس وهي تخبرها
بس مش قولتلك شكله ميال ناحيتك.
تصنعت بهاء الجدية وقالت
ما تكبريش الموضوع.
ردت عليها مؤكدة
مكانش أخوه الكبير لمح بده.
بررت كلماته قائلة
مجرد مجاملة.
في شيء من اليقين خابرتها
عموما الأيام هتبين نيته إيه ناحيتك.
لم تعقب بهاء وظلت صامتة لتضيف رفيقتها بتشوق
وأنا واثقة إنه هيكون خير بأمر الله.
...........................................
كان مستغرقا في مراجعة كافة الأوراق الموجودة على سطح مكتبه وكتابة التقييمات الخاصة بالدارسين ليحدد بعدها الجزء المتبقي من تدريبه الاستثنائي تصلب عمر في جلسته عندما اندفع أنس بعصبيته وضيقه مقتحما عليه غرفته ليقف أمامه متسائلا في استنكار شديد
إيه اللي سمعته ده
كان على علم تام بسبب مجيئه فخاطبه بهدوء
زي ما وصلك يا أنس!
تم إخطاره وبشكل رسمي في وقت سابق بعدم الحاجة إلى استمرار مشاركته في التدريب وبالتالي اقترح اسمه للترشيح في متابعة تدريب جديد سيبدأ لاحقا ليستفزه إقصائه المريب كثيرا فلم يستطع تجاوز الأمر وأخذ يسأله في استهجان حانق
بالبساطة دي بتستبعدني من التدريب
رد عليه في هدوء استفزه
إنت عندك كورسات تانية هتبدأ كفاءتك هتكون أحسن فيها وهتكون على راحتك كمان!
اندلع بداخل
أنس المزيد من الڠضب ولم يتمكن من ضبط انفعالاته الهائجة ليسأله بلا مقدمات ونبرته
تشي بالاتهام والإهانة
إنت عامل كل ده علشان البت إياها
أصبح صوت عمر أكثر جدية قبل الحزم وهو ينذره
أنس ماتدخلهاش في الموضوع.
صاح مستنكرا بشدة
أومال تسميه إيه
غلف الجمود ملامحه ونبرته أيضا عندما أجابه
التدريب ده قرب ينتهي ووجودك فيه مالوش لازمة فالأفضل تستثمر جهودك في حاجات تانية.
ما زال على استنكاره منه فغمغم بتذمر
هي بقت كده
تجاهله ولم يوله أدنى اهتمام فتابع في حقد
أنا عايزك بس تفتكر إن البت دي مش سهلة وقعت في الأول بيني وبين صاحبتها علشان توصلي ولما معرفتش لفت ودارت عليك وإنت شربت مقلبها.
وقتها تحفز عمر في جلسته واخشوشنت نبرته بدرجة كبيرة وهو يحذره
أنس إنت مصدق نفسك!
ضيق نظراته متسائلا
قصدك إيه
نهض من مقعده ليوضح له بنبرة جاهد أن تبدو هادئة
أنا أكتر واحد عارف إنت بتعمل إيه ومن زمان ومفرقش معاك أي بنت مشيت معاها ولا حتى ضحكت عليها لأنك واخد الحكاية من باب التسلية واللعب فمتجيش النهاردة تقنعني إنك كنت دايب في هوى صاحبتها.
صاح محتجا عليه
أنا مقبلش حد يستغفلني!
رد عليه محاولا المحافظة على ثبات رنة صوته
فين الاستغفال بالظبط من ناحية بهاء وهي مالها بيك فكر بالعقل شوية هتلاقي نفسك وقعت ضحېة مقلب جديد!
كظم غيظه مرغما وقال في نبرة غير مريحة بالمرة
ماشي يا باشا الكلام خلص.
توجس خيفة من ردة فعله الغامضة فكرر عليه إنذاره الصارم
أنس! أنا بحذرك ملكش دعوة ب بهاء هي بقت تخصني.
أعطاه نظرة مفاداها أنه لن يمرر الأمر مهما حدث رغم نطقه بالعكس
تمام وصلت الرسالة!
راقبه وهو ينصرف على نفس الوتيرة المندفعة التي جاء بها ليعاود الجلوس على مقعده مرددا في رجاء
على الله تكون اقتنعت!
لا تعرف إلى أي مدى قد تغير ما بداخلها منذ هذه الليلة التي تمنى فيها مجازا أن ترضى عنه وتقبل أن تكون زوجته كم ودت لو صار تقاربهما حقيقيا وصادقا! لكنها أحلام حالمة نتجت عن أمنيات خيالها الواهم وإن كانت الشواهد تؤكد اهتمامه الزائد بها.
زين وجهها ابتسامة مشرقة كانت مختلفة كليا عن أي وقت مضى حينما جاءت إلى الأكاديمية بحثت عنه بقلبها قبل عينيها وحينما رأته ابتهجت من أعماقها ولم تتمكن من إخفاء تعابير السرور من على قسماتها. حاولت بهاء التمتع برؤيته خلسة حينما ينظر للآخرين فتطيل من التحديق فيه دون أن يمسك بها وعندما ينظر إليها تتلبك وترتبك وتباعد نظراتها في خجل كأنما قبض عليها بالجرم المشهود.
ظلت بسنت تتابع ما يدور بينهما في مرح وبنفس أسلوبها المرح استطردت تشاكس رفيقتها
هنشوف النهاردة فراشات الحب طايرة حواليكم.
همست بهاء مقضبة أحد حاجبيها
بسنت بلاش أفورة ده تدريب عادي.
ابتسمت في استمتاع وهي تمازحها أكثر
أيوه افضلي قولي كده لحد ما أشوفكم سوا على الكوشة!
لمحته يتحرك في الأرجاء وعل
مسافة تقترب منهما فلكزت رفيقتها لتحذرها
طيب اسكتي علشان هو جاي علينا.
وكأن في مراقبته تسلية عظيمة راحت بسنت تتابع بتحمس إيماءاته الخفية فأبصرت كيف يتطلع إلى رفيقتها بشغف فمالت ناحيتها مرة ثانية تؤكد لها
عينه مش شايفة غيرك يا قلبي.
عفويا التقطت عيناها نظرته المهتمة بها فخفضت من مقلتيها متمتمة بتحرج خجل
هتفضحينا على الفاضي!
على مسافة لا تبدو بعيدة عنها اختطف عمر نظرة سريعة تجاهها قبل أن يحول عينيه عنها مخاطبا الجميع
طبعا اللي فاضل في تدريبنا يعتبر مش كتير يدوب حاجات بسيطة وأتمنى تكون التجربة كانت مثمرة ليكم.
رد عليه أحدهم مثنيا على مجهوداته
شكرا يا سيادة الرائد على تعبك معانا حقيقي استفدنا كتير منه.
تابع مبتسما في غموض
أنا فضلت يكون آخر جزء فيه نوع من التجربة والمغامرة أكتر منه تعلم.
لم تسترح بسنت لطريقته في التمهيد لما هم مقبلون عليه فاستطردت تسأل رفيقتها بقلق وارتياب
هيعمل فينا إيه المرادي
انتظرت بترقب تصريحه ليعلم الجميع
مطلوب من حضراتكم تستعدوا علشان هنتحرك دلوقتي على المطار.
في نبرة ممازحة سأله أحدهم
إيه هنروح المالديف
ارتفعت رنات الضحك في المكان وتولى
متابعة القراءة